دخل التلاميذ في النفس الأخير من الموسم الدراسي، منعطفا حاسما لتتويج موسمهم الدراسي بنتائج جيدة، باعتبار هذه المرحلة تختزل موسما من التحصيل والإدراك، فإما أن يكون فيه المقبل على امتحانات الباكلوريا، في حالة نفسية مستقرة، ويستطيع التركيز وضبط آليات مذاكرته، لخوض غمار الامتحان دون مركبات نقص، أو أن تكون نفسيته متدهورة، وغير قادر على تركيز جهده وإعادة تنظيم المعلومات التي راكمها لاستيعابها بالشكل الذي يجب، وبالتالي لا يفقد في شهر ما تحمل عبأه طيلة شهور السنة، خصوصا بعد توقف الدراسة الحضورية بسبب جائحة كورونا واستبدالها بدروس التعليم عن بعد .
فترة ما قبل الامتحان يحتاج التلميذ فيها إلى دعم نفسي وموجه تربوي يساعده على تنظيم الوقت وتبديد المخاوف التي تكون عادة مصاحبة لترقب المجهول والخوف من أن يحل طارئ ما يخل بتوازنه الفكري ويخلق له اضطرابا في ضبط المعلومات وفي التعامل المعقلن والهادئ مع الاختبار.
العديد من التلاميذ رغم مثابرتهم واجتهادهم طيلة الموسم الدراسي، يصابون بانهيار عصبي ويفقدون زمام أمرهم في يوم يتغلب فيه الاستعداد النفسي على الشحن المعرفي، الذي لم يكن وفق منهجية علمية مضبوطة، وعلى أساس عقلاني في استيعاب المعلومات وتوظيفها بالشكل الذي يجب، فإن كل ما يجري مراكمته وخزنه يصبح سرابا، فليس المهم هو الحفظ عن ظهر قلب، ولا المطالعة الكثيفة لمختلف المقررات ولا الاستخراج الكمي للمسائل الرياضية والفيزيائية وغيرها، إنما كيفية تدبير هذه المعلومات ومعالجتها بترو وبعد نظر.
فهذه الوصفة هي التي بمقدورها أن تعطي قيمة مضافة في الفهم وتجعل المعلومة تحتل مكانها وعنوانها الصحيح في العقل والذاكرة، باعتبار أن التركيز على معرفة ماهية الأشياء بمثابة عقل للمعارف والتشبع بها وبخصوصيتها.
وهذا التوجه بالضبط لا ننتظر من التلميذ أن يدخل غماره لوحده، بل هو في حاجة إلى مربين يساعدونه على بلوغ ذروة هذا المنحى، فإذا كانت الأسرة لها دور في خلق الأجواء الملائمة لأبنائها لتدبر هذه المرحلة التي تسبق الامتحان بنجاعة، عبر توفير نظام غذائي متوازن وتوضيب مكان للمراجعة يمتاز بالهدوء والسكينة دون ضوضاء، ودون إقحام لكل ما من شأنه أن يخل بمعادلة التركيز، فإن المؤسسة التي كان يعول عليها توفير النصيب الأوفر في إعادة استحضار الدروس مع التلاميذ بمنطق التركيز على الأهم والتعرف على ماهية الأشياء التي من الممكن أن تطرح لديه علامات استفهام وتربك سيره العادي أثناء الامتحان ، مع الأسف حالة جائحة كورونا دون ذلك ونابت عن الدروس الحضورية الدروس عن بعد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف المنصات التي أطلقتها الوزارة الوصية، ناهيك عن دروس التلفزة المغربية، فهل كان ذلك كافيا لإعداد التلاميذ الإعداد الجيد لخوض غمار امتحانات الباكلوريا دون مركبات نقص، علميا ونفسيا؟
التلاميذ كانوا محتاجين فعلا في هذه المرحلة للدعم النفسي للوقوف على الاختلالات والنواقص، لأن الظروف التي عاشها التلاميذ مع الحجر الصحي كانت لتفرض على القطاع الوصي أن يستعين بمربين لهم تكوين في مجال الإعداد النفسي لمحاولة التقرب من التلاميذ ولو عن طريق المنصات الرقمية أو القنوات التلفزية، لمعرفة طبيعة الصعوبات التي تواجههم وتقديم حلول لها.
وما من شك، أن جميع الدول المتقدمة أصبحت تستعين في مختلف قطاعاتها التكوينية بالمتخصصين في البناء والمعالجة النفسية لكون الإعداد النفسي، يعد الحلقة الأكثر حساسية في خوض أي مباراة ودخول غمار أي امتحان.
ففي المجتمعات المتقدمة يعطى لهذا الجانب حصة الأسد في الاستعدادات لكونه التيار المغناطيسي، الذي يمكنه جذب المعلومات وإعطائها الفضاء اللائق بها في الذاكرة.
فمتى تعي الجهات المعنية بتدبير الشأن التعليمي، أن الجانب النفسي مثبط أساسي في مسارنا التنموي، الذي دون بسط دراسات واستراتيجيات عملية لمواجهته، سيظل أي عمل نقوم به كيفما كان، تماما كمن يصب الماء في الرمال.
ذ . عبد المجيد صراط