أصبح التحكيم المغربي اليوم في قفص اتهام كبير بعد الأحداث المتكررة التي كانت ضحيتها العديد من المباريات الهامة خلال الموسم الكروي المنصرم، بعد مرور على انطلاقته أكثرمن عشر دورات حتى انفجرت العديد من الأحداث التي تتطلب من الساهرين على شأن التحكيم ببلادنا الوقوف لتأمل هذه الظاهرة التي غابت عن مياديننا طويلا و أصبح المغاربة يطمئنون على حال و مصير أصحاب البذلة السوداء و مستوى التحكيم المغربي، التي كثر الحديث فيها عن الشغب في الملاعب و حالات الفوضى التي كان السبب فيها التحكيم، الذي لطالما أخطأ أو ظلم أو ساهم في ترجيح كفة فريق على حساب آخر باختلاف الأحداث، و خلاصة القول أننا نعيش وسط فوضى تحكيمية و نحن نمارس بطولة إحترافية، فكثرة الأخطاء التحكيمية و عدم معالجتها أو بالأحرى اتحاد قرارات صارمة في حق مرتكبيها ساهمت إلى حد كبير في حالات عديدة من الشغب و الفوضى في الملاعب الوطنية.
ففي الوقت الذي كان فيه المغرب يفتخر بحكام قدموا إعطاءات عالية في محافل دولية مختلفة أصبح التحكيم الوطني محط مساءلة مستمرة و شك في قدرات الحكم المغربي، و هنا نستحضر بكل فخر و اعتزاز المستوى العالي الذي قدمه المرحوم سعيد بلقولة في نهائي كأس العالم سنة 1998 بفرنسا حينما اسكت الأفواه التي كانت تشكك في قدرات الحكم العربي و الإفريقي، و قدم مقابلة رائعة بنزاهته و صرامته، كما نشيد بعدد من الحكام المرموقين الذين أدوا مهمتهم بكل إخلاص ووفاء على غرار عبد الرحيم العرجون – مصطفى معزوز كزاز محمد…و غيرهم من شهد لهم بالكفاءة العالية و الذين لم يرضخوا لإرادة المال أو الإغراءات و لا حتى أنهوا مشوارهم، الشيء الذي نفتقده في الأونة الأخيرة ما يدفعنا لطرح العديد من الأسئلة…هل كثرة الأخطاء عادية أم عفوية؟ أم أنها مقصودة؟ و من له مصلحة في تسخير الحكام لخدمة مصلحة فريق على حساب آخر؟. لماذا لا يعاقب الحكام الذين أفسدوا العديد من المقابلات؟. لماذا لا تعتمد مدارس خاصة بالتحكيم تكون مستقلة عن الجامعة؟ كلها أسئلة طرحت للنقاش و التي تلقي لها إجابات صريحة، الشيء الذي أصبح يفسر غياب الحكم المغربي عن المنافسات القارية و الدولية، فلقد عاين الجميع كيف أن حكما يفسد على فريق فرحة الفوز بأخطاء عفوية أو معتمدة لا يهم، ما يهم هو أنها تتكرر و باستمرار، الشيء الذي يدعوا للإستغراب حول عدم إيجاد حل لهذه الأخطاء. و كيف أن جمهورا ذرف دموع الحسرة و الحزن بتصرف عشوائي من بعض الحكام الذين لا مبادئ و لا ضمير لهم..و كيف أن فريقا صعد و آخر نزل ظلما و جورا..
هذا من جهة،و من جهة أخرى فإن حكاما يعانون في صمت داخل أقسام الهواة، الذين لا يلقون تشجيعا و لا ترقية و لا هم يحزنون، و الذين يمارسون في ظروف جد قاسية في غياب أدنى شروط الممارسة العادية، فلطالما تعرض حكام الهواة للضرب و الجرح و الإعتداء الجسدي و لا من يحرك ساكنا..و قد عاينت شخصيا حكاما مقتدرين حرام و عيب يمارسون في أقسام الهواة، صراحة يقدمون عطاءات عالية الجودة خلف الستار.
و خلاصة القول أن هناك حكام يخطئون و يتسببون في صراعات و عداءات جماهيرية خدمة لمصالحهم دون مراعاة لما قد ينجم عن قراراتهم الفاسدة و التي وجب مواجهتها بفرض عقوبات قاسية حتى لا تتكرر، و هناك أيضاً حكام يبدعون في صمت دونما تقدير لمجهوداتهم لأننا نعي جيدا كيف أن حكاما لا يعينون لأنهم مخلصون لمبادئهم و آخرون لا يعاقبون رغم أخطائهم المتكررة.
هذه مجرد وجهة نظر صادقة و غيورة على واقع تحكيمي مؤسف و الذي لا نتمنى أن يتجرد من كل الحسابات و الصراعات، و أن يكون نزيها وواقعيا بعيدا عن كل التلاعبات أو الحسابات الضيقة، فالمزيد من التعبئة و الإجتهاد للوصول للهدف الذي يبحث عنه الكل..فلا نتهم أحدا بهذا الكلام و لكن ندعو حكامنا للإجتهاد أكثر لأن بنجاحهم و ظهورهم الموفق تنجح كرتنا و تسير في الإتجاه الصحيح الذي يتمناه الكل.
فهل نجعل من الدورة المقبلة دورة بدون أخطاء و بدون احتجاج و لا شغب، حتى نصل إلى خلاصة واحدة و نقول إننا بالفعل نسير في الإتجاه الصحيح؟
حتى نرتقي ببطولتنا الوطنية إلى ما فيه خير لهذه البلاد، و بالمقابل فإن إصلاح المنظومة الكروية ككل تقتضي تهيئ الأرضية الخصبة للممارسة العادية في ظل تحسين الوضعية الإجتماعية للحكام من خلال تحفيزهم و تمكينهم من تعويضات تستوعب تنقلاتهم إلى الميادين في ظروف إنسانية و تؤمن راحتهم و أمنهم النفسي و الجسدي مع تفعيل القانون الجزري كلما ثبتت الاخطاء المتعمدة من قبل الحكم.