تعرف الساحة الفنية في الآونة الأخيرة سواء في الواقع أي في الحفلات التي تقوم بها الجمعيات و أحيانا الجماعات الحضارية و القروية أو على مستوى الفضاء الأزرق الدي عوض المنابر الاعلامية و الصحافية، أصبحت تعرف نشاطا فنيا مكثفا في محاولة أو محاولات لإعادة أمجاد مجموعة المشاهب الرائدة و التي عرفت شهرة كبيرة عند إنطلاقتها الحقيقية في بدايات الثمانينات أي بعد انطلاق مجموعة الغيوان التي تعتبر المجموعة المؤسسة للفكرة هذه الفكرة التي ترعرعت و اختمرت في أحضان مسرح الطيب الصديقي الكبير و مجموعة جيل جلالة التي صارت على المنوال الغيواني الكناوي المذهب ان صح التعبير مع اعتماد تيار تراثي مغاير و هو الملحون والثقافة الموسيقية الشعبية التي لها علاقة بالمجال الحضري.
جاءت المشاهب لتحدث تغييرا و من الممكن أن نسميه تجديدا وذلك على مستوى المحتوى الموسيقي حيث عمدت إلى ايجاد صيغا جديدة على مستوى عملية التلحين و الغناء أكثر من الاهتمام بالإيقاعات، حيث عبر الآلة الموسيقية والمسماة الماندولين الوترية التي اختارها عازف المشاهب الكبير المرحوم لمراني الشريف و التي تعتمد أربعة أوتار مزدوجة حيث كل وثر يجمع بين الصوت الرقيق و مماثله الغليظ و هو ما يصطلح عليه بـ (الشايب و الشباب) مع وثرة خامسة وحيدة تعطي الأصوات المرددة القاعدية و قد اختارها لكونه كانت له مرجعية شرقية غرناطية، إضافة إلى كونه أضاف إلى الزند حواجز لاستصدار الأصوات العربية أي ما نسميه ربع المقام و بالتالي فقد أعطى للآلة مساحات واسعة للبحث و الإبداع .
و للتاريخ و حيث كنت اعتمد في نشاطي الموسيقي نوعا ما مدرسة المشاهب وذلك في اطار مجموعة نجوم الليل فقد كانت لي معه أي الفنان الشريف صداقة فنية حيث كنا نجتمع في البيت و نتقابل هو بالماندولين و أنا بالكيتارة الفولك نتبادل البحث الموسيقي باستعمال التقنية و مدى جعلها طائعة لتحقيق الأنغام و الألحان المغربية الجديدة.
كما أن المشاهب كان تجديدها بارزا على مستوى الشكل الغنائي أيضا حيث اعتمد التنوع المميز والمتميز أي بأصوات متنوعة فهناك الطونير و الميديوم و الإيڭو أي غليضة و معتدلة و رقيقة إضافة إلى الأصوات المنسجمة التي تحقق الهارموني.
و أحمد باطة رحمه الله ميز مبز الأداء المشاهبي بصوته الغليظ الذي يحقق للأغاني قرارا ترتاح له الآذان مع قوته في التعبير و الذي يلامس الحالات النفسية المختلفة من غضب و ثورة وعشق وكذلك من نداءات صارخة استعطافية إلى غير ذلك.
أما صوت السوسدي محمد رحمه الله فهو ذلك الصوت الذي ليس رقيقا و حادا فحسب بل صوت له شخصية و تعبيير قويين، يعطي للكلمة و الجملة الشعرية قوة تعبيرية تنساب بقوة الى النفوس المستمعة فتحدث تاثيرا منقطع النظير.
نعم ان صوت السوسدي كان لا يصدر من حنجرته فقط بل يصدر من قلبه و من قسمات وجهه من روحه و كل جسده فهو كان يشخص الجملة المغناة أيما تشخيص.
أما الشادلي أحمد أطال الله عمره فقد كان و لازال يحقق بصوته العذب الذي يندرج في النوع (الميديوم) ما يصطلح عليه بالسهل الممتنع. فهو الصوت القادر و بسهولة غريبة على تحقيق الجما الموسيقية دات السبغة التراثية التي لها عمق في الثقافة المغربية الصوتية.
أما صوت حمادي حفظه الله فهو ذالك الصوت الذي يندرج في النوع الرقيق (إكو) لكنه يتميز بقوة و شخصية في التعبير لا تعرف مجانبة الغناء الصحيح الصائب juste الذي يحتاج لتحقيقه التوفر على أذن فنية حقيقية و مرهفة الحس. و كما يقول علماء الموسيقى فإن الغناء لا يعتمد الحنجرة فقط بل يعتمد الأذن بالدرجة الأولى. و يبقى ” حمادي ” من الأصوات الرائعة التي يمكن الاعتماد عليها في المواويل التي كانت المشاهب تستهل بها حصصها الغنائية. و أذكر هنا أجمل موال أداه حمادي و هو موال فلسطين الذي كان يثير صحبة عزف الشريف زلزالا في قاعات العرض لدى الجماهير المتعطشة.
هذا و تعتمد المشاهب على إيقاعات مغربية صرفة تحققها من خلال آلات إيقاعية مغربية كالبندير و الطامطام الذي عوضت بالبونكس، آلات تجعل منها المشاهب أرضية تأتي في البعد الثالث من أجل إظهار الكلمة الهادفة الثائرة في حلة غنائية إبداعية سليمة بموسيقى إبداعية، كذلك جديدة و متجددة تتميز عن الأشكال المتعارف عليها.
إن هذه المحاولات العديدة لإعادة زمن المشاهب الجميل محمودة و تدل على مدى تأثير هذه المجموعة الغنائية الرائدة المستمر إلى الأجيال الحالية. حيث أصبحت موسيقاها تعزف من طرف الأوركسترات السانفونية (خليلي)، و لكن هناك أشكال من المحاولات لن تضيف إلى التجربة إلا ما يسوؤها أو ينقص من لمعانها. و هنا أستعطف الفنان الشادلي و الفنان حمادي بأن يتذكرا اغنيتهما العالمية الجميلة و هيو (خليلي علاش تعاديني و تهجرني و تخليلي رسامي خالية) و يعودا و يتصالحا و يعيدان تأسيس مجموعة لمشاهب الحقيقية بمشاركة جميع الأعضاء الجديدة لما لا و بالتالي تعود( للرسام الخالية ) الحياة الجميلة و نضمن الاستمرارية و والفعالية، فأنا لا أتصور مجموعة المشاهب بدون الشادلي و حمادي الرمزان الكبيران أدام الله عليهما نعمة الصحة و العافية و رحم الله الباقين و اسكنهم جناته امين.
جمال الدين بنحدو