شاهد الزور حالة معروفة لدى علم النفس تسمى «لعبة الأدوار»، وهي وضعية تتطلب من الشاهد القيام بمهام التلاعب والغش مقابل غرض اجتماعي، كالشهادة زورا نزولا عند رغبة قريب أو صديق، أو مقابل أجر مادي، وهو في كلتا الحالتين يجب أن يدخل في مفاوضات نفسية داخلية مع ذاته لإقناعها إما بالتضحية، أو بمنطق السوق والبيع والشراء، وهو سيكولوجيا يضع المقابل المادي قبالة الشعور بوخز الضمير،
شهادة الزور آثار نفسية ، و أخرى مادية ، وخيمة تحيق بالمضرور من كل جانب، و المضرور هنا المواطن و المجتمع معاً ، إذ تُنشئ آلاماً مريرة في النفوس ، و تخلق الأحقاد في القلوب ، لما ترتبه من ضياع الحقوق بأنواعها المختلفة ، فضلاً عن أن فيها نصرة للظالم على المظلوم ، و ما يشيعه ذلك من تفشي الظلم و البغي ، و إفلات المجرم من العقاب ، أو إدانة برئ ، مما يجعل بنيان المجتمع معرضاً للتآكل ، ويعصف بأمنه ، حال أن الأصل أن يكون أفراده كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضاً ، ولذلك كان النهي الشرعي عن تلك الفعلة الشنعاء نهياً شديداً
شهادات الزور باتت تعرض للبيع بمبالغ مالية تحدد حسب نوعية القضية، كما أن هناك أشخاصاً على استعداد لدفع المبالغ المالية التي يطلبها شهود الزور من أجل كسب دعواهم القضائية، الأمر الذي ينذر بانحراف سلوكي واجتماعي خطير وسط المجتمع ،نتيجة تنامي ظاهرة شهود الزور الذين أصبحوا يمتهنون الإدلاء بشهادتهم في قضايا لم يكونوا طرفاً فيها أو حضوراً عند حدوثها، كما أن لديهم استعداد لتقديم اليمين مقابل دريهمات، دون مبالاة لمخاطر شهادة الزور التي يترتب عليها إلحاق الضرر بالأبرياء وضياع حقوق المظلومين
يقول مختصون في مجال القضاء والمحاكم إن شهود الزور متواجدون في كل مكان تدفعهم أسباب متعددة للإدلاء بشهادات الزور لصالح أشخاص حججهم القضائية ضعيفة، ولكن ظاهرة شهادة الزور تتفاقم في المغرب ،و ترتقِ إلى مستوى التأثير على سير العدالة بصورة صحيحة، كما أن المحاكم تبذل جهوداً كبيرة لاكتشاف شهود الزور وتقديمهم للمحاكمة ،وفقا للقانون الجنائي المغربي الجزاء على كل شخص قدم شهادة الزور وذلك في الفصول 368 إلى الفصل 379، و ذلك لاعتبار أن ذلك الجرم قد يؤدي لتضليل العدالة لصالح أحد الخصوم أو ضده. وتختلف عقوبة الشاهد بالزور حسب نوعية القضية إن كانت جنائية أو مدنية أو إدارية، فقد يعاقب من شهد زورا سواء ضد المتهم أو لصالحه بالسجن من خمس سنوات إلى عشر في الجنايات
” شهادة الزور” هي ادن مهنة لا يعرف الكثيرون خباياها وأسرارها، بعدما أصبحت مورد رزق للعشرات من الأشخاص الحاملين لمهنة «شاهد زور».. يتربصون بالمقاهي القريبة من المحاكم ومراكز الأمن، لتضليل العدالة، بدل تنويرها ،
من هؤلاء، تعرفهم من وجوههم المحترقة بالشمس و من نظرتهم المخيفة التي تزرع الخوف في القلوب الضعيفة يتلقون مقابل مبالغ مالية، حسب نوعية «الخدمة» المؤذاة في الملف، غير مدركين العواقب الوخيمة التي تتسبب فيها شهادة الزور، والتي ترمي بصاحبها في النهاية وراء القضبان بعقوبات حبسية ثقيلة
وتوجد شبكات من شهود الزور لا تكاد تفارق ملفات العقار، فنفس الأسماء تتكرر في مجموعة من الملفات التي أحيلت على المحكمة ،و عندما تحس بالخطر ومبحوثة عنها فهي تنتقل بين محاكم أخرى حتى لا تترك أثارا ، الأمر الذي يطرح عدة أسئلة
ما هي دوافع شهادات الزور وكيف يتم الاتصال بشهود الزور؟
وهل هناك قانون قضائي يحاكم شهود الزور؟
وما هي إمكانية اكتشاف المحاكم لشهود الزور؟
وأن العقوبة تبقى كذلك مرتبطة للقاضي، حسب اجتهاداته وسلطته التقديرية في الملف الذي يبت فيه والأخذ بعين الاعتبار الأضرار السلبية التي تسبب للضحية أو المتهم الذي يتحول إلى «ضحية» بعد كشف ثبوت عملية الزور في الشهادة المُتضمَّنة في محاضر الضابطة القضائية
ولذلك كان النهي الشرعي عن تلك الفعلة الشنعاء نهياً شديداً
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)[ الفرقان:72]؛ وقال: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30]، وقال أيضاً: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) [المجادلة: من الآية
و قال الرسول صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه عنه سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه
(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر(ثلاثاً)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً، فقال: (ألا وقول الزور)، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) [متفق عليه، رواه البخاري، (6919)، ,مسلم، (269