إذا كان الشغب الرياضي يعتبر ظاهرة من الظواهر الاجتماعية والنفسية التي بدأت تظهر في العديد من المجتمعات المعاصرة، حيث أصبحت تشكل خطرا كبيرا بالنظر للسلوكات العدوانية التي يتم في نطاق استراتيجية محكمة ذات أهداف بعيدة كل البعد عن المجالات الرياضية، فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة لبلادنا، حيث تبقى عمليات الشغب في ملاعبنا مرتجلة وتأتي كرد فعل على بعض التصرفات الصادرة عن جهات مختلفة ، شهدت الملاعب الرياضية المغربية تزايدا ملحوظا في حالات الشغب المسجلة في الدوري الاحترافي الجاري، وفي الموسم الماضي أيضا، واتخذت موجة العنف أبعادا خطيرة و استفحلت بشكل عجزت معه العقوبات الردعية والحملات التحسيسية في كبح جموح المناصرين المتطرّفين وتاهت المسؤولية بين أطراف اللعبة حول من المسؤول وطرق الحل ، ومهما اختلفت الأراء حول المتسبّب في انتشار ظاهرة “شغب الملاعب”، وطرق معالجتها ومحاربتها، فإن الأهمّ من كل ذلك، هوالبحث في مسبّبات وجودها أصلا، فلا يختلف اثنان، بأن الجانب الإجتماعي والإقتصادي والثقافي أيضا يلقي بظلاله على سلوكات روّاد الملاعب والمركبّات الرياضية ، فحين تصبح شريحة مهمّة من المناصرين من صغار السن، وينتشر الكلام البذيء في كل مباراة، ويتم التراشق بالحجارة والمقدوفات بين أنصار الفريق الواحد وبين أنصار الفريقين، وحين يتم ضبط بعض الوافدين لمتابعة عرض رياضي بكميات من المخدرات وبأسلحة بيضاء، وحين يتم نقل الفوضى والهلع لأوساط المواطنين خارج الملاعب، وحين يتم تبنّي العبارات العنصرية والجهوية .. فيجب علينا أن نفهم بأن الخلل لا يكمن في حماس زائد عن اللّزوم، بل إن المشكل ولد في وسط بعيد عن المجال الرياضي، وغذّته الظروف الإجتماعية الصعبة لهؤلاء الشباب، وانعدام الحس المدني والثقافة الكافية لضبط سلوكاتهم، ما جعل انتقال العدوى إلى الملاعب والمركبّات الرياضية، تستفحل في فضاءاتها ومساحاتها بمثابة “تحصيل حاصل ،ولكي نكون أكثر وضوحا ، فهناك جهات أخرى تتحمل بقوة مسؤولية عودة الشغب للملاعب ، بل لن أبالغ إن قلت أنها أضحت السبب المباشر في استفحاله بهذه الصورة الكارثية ، والحديث هنا عن وسائل الإعلام والسلطات الأمنية ، باختصار ، ظاهرة الشغب المصحوب بالعنف يمثل نتاجا اجتماعيا للعديد من المسببات ، قد يكون على رأسها الظروف الاقتصادية وتلك الخاصة بمحيط النشأة ، لكن يبقى دور الإعلام والسلطات الأمنية في تفاقم الظاهرة جوهريا ومؤثرا ، التعامل اللامسؤول لبعض المنابر الإعلامية المحسوبة على المهنة الشريفة ، والأقلام الصفراء التي تشعل فتيل الفتنة بين الأندية وتثير الفوضى في الوسط الرياضي وزيادة حالة الاحتقان باسم تنوير الرأي العام وإيصال المعلومة .. علاوة على التدخل القمعي والتعسفي لرجال الأمن المدججين بالهراوات والذين لا يتوانوا عن الإفراط في إستخدام القوة ضد الجماهير و قمعها بطريقة تعود بنا إلى عهود سنوات الرصاص .. كلها تؤدي إلى حالة من انفلات الأعصاب و الغليان لدى الجماهير التي تصر على أن هناك متربصين بهم وبأنديتهم انتشار خيار الفوضى والعنف للمناصرين بالمدرجات حين يتكبد فريقهم المفضل الهزيمة ، جعل حالة “اللاّأمن” تخرج عن نطاق الملاعب وتلحق حتى بالمواطنين وممتلكاتهم في الشوارع، منهم رجال ونساء وأطفال وشيوخ وحتى من لا علاقة له بالرياضة و كرة القدم على وجه الخصوص
ولا ننسى ايضا مسؤولية الاباء و اولياء الامور الذين لا يرافقون ابناءهم القاصرين و يسمحون لهم بالذهاب الى الملاعب دون إعطائهم و لو ثمن التذكرة و يعرفون ما يقترفه ابنائهم من مصائب و لا يحركون ساكنا و هذا يعتبر تشجيعا لهم على المزيد.. و تراهم يبكون و يندبون عندما يتم اعتقال احدهم
كما أنه لا يمكن للرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة ان تلعب دورها الكامل لترسيخ القيم الاخلاقية والروح الرياضية وان تكون وسيلة للتربية والانفتاح والاندماج الاجتماعي بدون توفير اطار امني لممارستها، فإنها اتخذت جميع الاجراءات لتعبئة الاندية الوطنية والتنسيق مع السلطات العمومية على الصعيدين الوطني والمحلي لمحاربة ظاهرة الشغب التي تسيء لسمعة كرة القدم الوطنية، وتوفير الامن الكافي لتنظيم المباريات سواء فيما يتعلق بتنقلات الجمهور او خلال المباريات ، الأكيد أن الحملات التحسيسية لتوعية المناصرين والحد من ظاهرة العنف لم ولن تؤتي ثمارها، ولنكون صرحاء مع أنفسنا ، فمهما اقترحنا من حلول، فإن ذلك لن يجدي نفعا ، بما أن المشكل أعمق من أن يحصر في نطاق “التحسيس أو الردع” ، فمشكلة العنف في الوسط الرياضي مرتبطة أساسا بعوامل تربوية ، ثقافية و اجتماعية، و حتى سياسية