في الأسبوع الماضي تمنيت لو أن لدينا لوائح وخطط تتيح الاستفادة من المتقاعدين ذوي الخبرة الكبيرة الذين يعدون من الخبراء في تخصصاتهم ، ونتمنى أن نجد بالفعل خطوات نحوهم في مختلف المجالات . واليوم أكمل ما بدأته من زاوية أخرى وهي حياة التقاعد وثقافتها . فبعد بلوغ سن التقاعد يصبح الإنسان في حياة جديدة ، لا دوام صباحي ولا مواعيد خروج ، ولا ارتباطات صباحية كما كان وهذه سنّة الحياة . ومع أنه سيجد وقتا كافيا لحياته الاجتماعية وواجباتها وهذا شيء جيد ، فإنه سيفتقد زملاء الأمس الذين عايشهم سنوات طويلة ، وسيفتقد سؤالهم عنه مع مشاغل الحياة ، وبالتالي إذا لم يدرك طبيعة حياة التقاعد ومتطلباتها النفسية سيشعر بشيء من العزلة ، ولن تعوضه فيها أسرته التي هو وسطها كل يوم ، إلا إذا كان لديه ما يشغل وقته من أعمال خاصة واهتمامات ، أو يبادر هو بزياراته الاجتماعية ، ولكن هذا لا يحدث كل يوم ، كما أن العمل الخاص ليس متوفرا لجميع المتقاعدين .
وفي الماضي كان المتقاعد يعاني من فراغ كبير حيث كانت الحياة بسيطة ، ولكن اليوم تغيرت الأوضاع وأصبحت الدنيا صخب وزحام وتشغل غير المشغول ، ورغم ذلك قد يشعر المتقاعد بشيء من الملل والرتابة والفراغ بعد أن تمضي فترة الاستراحة من سنوات العمل ويجد نفسه أمام الواقع الجديد ، فلابد هنا أن يفكر كل من اقترب من سن التقاعد كيف يعيش هذه المرحلة في استقرار وسعادة ويرتب أموره .
أول الأشياء الإيجابية في التقاعد أنه يتيح فرصة عظيمة
للإكثار من العبادات والانخراط في خدمة المجتمع إذا كانت له صلات بمسؤولي الحي وسكانه ، فخدمة المجتمع واجب محبب سيجد المتقاعد فرصة جيدة لأن يمارسه ، وفرصة ليمنح الحياة الأسرية معظم وقته ، وإن كان هذا سلاح ذو حدين ، وعلى الأسرة أن تتفهم معنى وجود عائلها 24 ساعة ، وهذا يحتاج إلى تهيئة جو أفضل وأسباب الراحة والتفاهم ، وهو أيضا عليه أن يستعد لذلك نفسيا لأن بقاء الرجل في بيته ساعات أطول على غير ما اعتاد عليه قد يريحه إلى حين ، ثم سرعان ما تزعجه التفاصيل الصغيرة التي لم يكن يراها وأصبحت جزء من حياته الجديدة . بقي أن أؤكد على نقطة جوهرية هي أن المتقاعد له الحق في أن يتمتع بامتيازات من المؤسسة العامة للتقاعد ، وأن تشملهم الجمعية الوطنية للمتقاعدين ببرامج أكثر وتوفر لهم المزيد من المزايا ، خاصة وأن الجمعية تتشرف بالرئاسة الفخرية لها من
صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ، وتحظى بدعم سموه الكريم حفظه الله ، وما أكثر المشاريع والأفكار والمزايا التي تدرسها الجمعية ويمكن أن تعود على المتقاعدين بالخير بعد رحلة عطاء في خدمة وطنهم .
إن الرعاية الطبية والخصومات على الخدمات وغير ذلك من مزايا مطلوبة للمتقاعد ، كذلك الحق في امتلاك مسكن بالتقسيط المريح ، خاصة وأن نسبة كبيرة منهم لا تمتلك مسكنا ولا تناسبهم شروط مشروع المؤسسة \” مساكن \” وقد أبدت الجمعية الوطنية انتقادها له وإذا ما تحقق كل ذلك وتطورت خدماتهم مع تطور الحياة سيشعرون بأنهم في قلب مجتمعهم وأن سنوات العمل الطويلة ليست مجرد صفحة من الماضي طويت ، وإنما هي زرع يحصدون ثماره من وطنهم ومجتمعهم ولو قامت مراكز الأحياء بدراسة كيفية الاستفادة من المتقاعدين وجهودهم وخبراتهم ووقتهم ، لوجدوا منهم ما يعينها ويقوي نشاطها في تطوير الأحياء ومشاريع وأفكار للشباب والتنظيم وروح الإصلاح والترابط الاجتماعي . أسأل الله التوفيق للجميع وأن ييسر للمتقاعدين ما يستحقون .