شدد مصطفى الخلفي٬ وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة٬ يوم الجمعة بالرباط٬ أن المرحلة الراهنة يمكن أن تمثل بالنسبة للسينما المغربية انطلاقة جديدة.
وأضاف الخلفي، أن ذلك لا يأتي إلا عبر بلورة جماعية لرؤية وطنية تروم الارتقاء الشمولي والمتكامل بالصناعة السينمائية٬ وذلك لربح رهان التنافسية٬ وضمان الاستدامة وتدعيم الاحترافية والانتقال من الرصيد الكمي إلى ربح رهان الإنتاج الكيفي.
وأوضح الخلفي٬ في لقاء نظمته الوزارة خصص لتقديم خلاصات “الكتاب الأبيض حول السينما”٬ أن أوضاع قطاع السينما شهدت٬ خلال المرحلة الأخيرة٬ تحسنا ملموسا٬ مسجلا بالمقابل أن المتتبعين يتطلعون إلى بذل جهود إضافية في مجال التكوين والملاءمة مع التطورات التكنولوجية ذات الأثر على الإنتاج والترويج والنهوض بقطاع الاستغلال٬ بالإضافة إلى مجالات أخرى.
وقال إلى أن اللجنة اعتمدت مقاربة “تشاركية”٬ حيث شرعت بالمشاركة في الإعداد الأدبي للمناظرة الوطنية الثالثة حول السينما٬ التي تميزت بتوجيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس رسالة سامية إلى المناظرة حدد فيها أهداف المناظرة ومنهجيتها والتوجهات والمبادئ الأساسية التي تؤطر عملا من هذا الحجم في قطاع أساسي بالنسبة للمجتمع والدولة على حد سواء.
وأشار الوزير بأن الرسالة الملكية السامية دعت إلى إطلاق سياسة عمومية متكاملة أفقية للنهوض بالصناعة السينمائية في المغرب٬ مضيفا أن القطاع يضطلع بدور أساسي في إبراز التنوع الثقافي وتقديم الحضارة المغربية وصيانة الإبداع.
واعتبر أن الكتاب الأبيض لهذه اللجنة٬ التي اشتغلت عليه طيلة الأشهر التسعة الماضية٬ يتضمن العشرات من التوصيات سواء في ما يتعلق بالإنتاج السينمائي وتثمينه٬ أو في ما يتعلق بالتكوين والتوزيع وإشعاع الثقافة السينمائية.
بدوره٬ أبرز رئيس اللجنة العلمية لصياغة “الكتاب الأبيض حول السينما”٬ الأكاديمي عبد الله الساعف٬ أن وضع كتاب أبيض حول السينما يؤسس لمرحلة جديدة للنهوض بالسينما المغربية٬ وخلق دينامية جديدة من خلال بلورة سياسة عمومية فعالة تهم كافة المهن والمتدخلين في القطاع السينمائي.
وأكد إن هذا الكتاب الأبيض يستمد مضمونه من توصيات المناظرة الوطنية للسينما٬ التي انعقدت خلال شهر أكتوبر الماضي٬ مضيفا أنه تم الاشتغال على هذا الورش من خلال أربع لجان٬ وهي لجنة التوزيع والاستغلال٬ ولجنة الفاعلين٬ ولجنة الإشعاع والمهرجانات والمجتمع المدني للقطاع٬ ثم لجنة اهتمت أساسا بالجانب المؤسساتي والقانون.
وقد انكبت هذه اللجان على جملة من المواضيع تتضمن٬ على الخصوص٬ الإنتاج والقضايا المهنية والتوزيع والاستغلال وحماية الملكية الفكرية وإشعاع السينما المغربية والمداخل المؤسساتية والقانونية للإصلاح.
يشار إلى أن اللجنة العلمية كلفت من قبل وزارة الاتصال بصياغة تصور لتنمية قطاع السينما المغربية للمرحلة المقبلة٬ مع الوقوف عند الواقع الحالي للقطاع٬ واستشراف آفاقه وتحدياته المتنامية٬ فضلا عن كونها تروم إنجاز رؤية تسمح بإعطاء انطلاقة جديدة للصناعة السينمائية المغربية٬ وتحديد التحديات المستجدة المطروحة على القطاع وبلورة إجابات جماعية حولها.
ويستفاد من خلاصات هذا الكتاب الأبيض أن تشخيص وضع الإنتاج في المغرب يبين أن الدولة قامت بجهود مهمة من أجل النهوض بأوضاع الإنتاج من خلال سياسة الدعم التي تتبعها٬ وخلق بيئة مشجعة وتحفيزات للإنتاج المشترك٬ ولاستقبال الإنتاجات الأجنبية وللدفع بدور التلفزة.
وقد أكدت هذه الخلاصات على وجوب الرفع من مستوى الاستثمار العمومي والخاص في القطاع٬ وبلورة نهج يعتمد نموذج مناسب وفعال للإنتاج٬ يضمن الاستمرارية والتحسن على المدى البعيد٬ ويضمن الاستعمال الحسن والشفاف للموارد العمومية وتقييم عقلاني للمردودية.
وبخصوص القضايا المهنية٬ يلقي الكتاب الأبيض نظرة تشخيصية على مختلف المهن المعنية بالقطاع من ممثلين وتقيين وكتاب سيناريو ومخرجين٬ ويسجل محدودية التنظيم والضعف النسبي للاتجاه نحو تشغيل ذوي الكفاءات٬ وضعف التكوين٬ وغياب الحماية الاجتماعية. ويقترح إعادة تنظيم هذه المهن بشكل مقنع وتسمياتها٬ وإعادة تحديد الكفاءات المطلوبة وآفاق تطورها وأوضاعها وحقوقها بما يعيد لها الاعتبار ويعزز مكانتها الاجتماعية.
من جهة أخرى٬ يشكو قطاع التوزيع والاستغلال٬ حسب الوثيقة ذاتها٬ من أزمة هيكلية تتجلى في العديد من المؤشرات (انخفاض في عدد القاعات٬ ضعف معدل تردد المشاهدين على قاعات السينما٬ ارتفاع أثمنة التذاكر وتراجع الاستثمارات).
كما يستعرض الكتاب الأبيض أوضاع الحقوق الملكية الفكرية للمؤلفين والمبدعين والحقوق المجاورة٬ وأوضاع المؤسسات المشرفة عليها ومنظومة القوانين المرتبطة بها٬ فضلا عن أنه يركز على ضرورة تنظيم مجال الحقوق الذي يعنى بالملكية الفكرية ويعزز السعي إلى خلق ثقافة احترامها٬ ويشدد على الجانب التوعوي لهذه المسألة٬ ويوصي بالاستفادة من الموارد العمومية على أساس تتبع دقيق للعائدات وإيجاد المستويات المنصفة لتشجيع وإعطاء لكل ذي حق حقه.
من جهة أخرى٬ يؤكد الكتاب الأبيض أن مشروع تنمية التربية السينمائية داخل المناهج التربوية وخارجها يندرج في إطار إشعاع المنتوج السينمائي بالمغرب٬ وتفعيل دور المهرجانات٬ والنهوض بدور النقد٬ وإعطاء نفس جديد للنوادي السينمائية٬ ودعم المنشورات السينمائية٬ والدفع بالدبلوماسية السينمائية المغربية بمقوماتها الفنية وهويتها٬ وتخصيص برامج سينمائية في التلفزة٬ ودعوة الصحافة الوطنية للمزيد من الاهتمام بالسينما٬ وذلك بهدف تعزيز القدرة الإبداعية في المجال السينمائي في المجتمع المغربي.
كما يستشف من خلاصات الكتاب الأبيض أن تدخل الدولة يطبعه أحيانا نوع من التشتت وأنه في حاجة إلى رؤية وتدبير منسجمين للمنهاج والمبادرات والإجراءات. كما يقر الكتاب٬ في خلاصاته٬ أن تدخل الدولة مطلوب لكي يوازن بين دورها التحفيزي والتشجيعي للمبادرة والابتكار وواجبها في تتبع ومراقبة أوجه صرف وتدبير الموارد المالية العمومية٬ وبين القيمة والنجاح للمنتوج السينمائي المغربي٬ بهدف الوصول إلى دينامية ذاتية للقطاع.
إ