الرئيسية » اقتصاد » حذف 15 مليار من ميزانية اﻻستثمار

حذف 15 مليار من ميزانية اﻻستثمار

قررت الحكومة حذف 15 مليار درهم من ميزانية اﻻستثمار التي لم يمض على التصويت عليها من طرف البرلمان إﻻ 3 أشهر ، ونتيجة لذلك تنخفض هذه الميزانية من 58.9 مليار درهم إلى 43.3 مليار درهم ، أي بنسبة 25 في المائة .

تحذير صندوق النقد

وقد تم اتخاذ هذا القرار بعد تحذير صندوق النقد الدولي، الذي أرسل خبراءه للتحقق من وضعية المالية العمومية، وبعدما صارت المعطيات التي بني عليها قرار المؤسسة المالية الدولية بتمديد فترة استفادة المغرب من الخط اﻻئتماني ( 6.3 مليار دوﻻر) مهزوزة أو مشكوكا فيها( بلوغ عجز الميزانية 7.1 في المائة حسب المندوبية السامية للتخطيط و7.6 في المائة حسب بنك المغرب) ، وكذلك بعد اﻻجتماع اﻷخير ﻷحزاب اﻷغلبية الحكومية الذي قدم خلاله وزير اﻻقتصاد والمالية نزار بركة عرضا عن الوضعية اﻻقتصادية والمالية المتردية  والمخاطر الماثلة. قرار الحكومة يهدف إلى تخفيض العجز اﻹجمالي للميزانية ليقترب من التوقع الذي بني عليه قانون المالية لسنة 2013 والمحدد في 4.8 في المائة بدﻻ من عجز يقاربـ 9 في المائة في حال تجاوز مخصصات صندوق المقاصة 50 مليار درهم وعدم تحصيل الموارد الضريبية وغير الضريبية المتوقعة نتيجة ﻻنكماش اﻻقتصاد المؤدي للضرائب وتراجع استهلاك اﻷسر …

لقد بررت الحكومة هذا اﻹجراء ، الذي يذكر بإجراءات شبيهة في أواخر سبعينات القرن الماضي قبل الخضوع لبرنامج التقويم الهيكلي ، باستعجالية التحكم في عجز الميزانية وتحسين تنفيذ اﻻستثمارات المبرمجة ، وهذا مايدخل في إطارالحق الذي يراد به باطل ، إذ أنه مطلوب فعلا التحكم في عجز الميزانية كي ﻻ تتدحرج البلاد إلى وضع صعب جدا ، ومطلوب أيضا إعادة النظر في برمجة وصرف الميزانيات لتجنب التبذير واﻻنحرافات التي لم يكشف إﻻ عن النزر اليسير منها ، وماخفي أعظم ، لكن المسافة بين ماهو مطلوب وبين اقتطاع عشوائي من ميزانية استثمار قائمة على توقعات غير مضبوطة في اﻷصل، شاسعة و تكشف العجز عن برمجة مالية لها قدر من المصداقية وقابلية التنفيذ في ظرفية صعبة .

أسلوب من الماضي

والمثير أن الحكومة الحالية، المنخرطة في حملة انتخابية دائمة، اختارت نفس الطرق التي لجأت إليها حكومات سابقة لتمرير إجرائها ، وذلك باستعمال التأهيل الذي يستند إلى دستور 1996 والقانون التنظيمي لقانون المالية لسنة 1998 الذي يتأسس عليه بدﻻ من التقدم أمام البرلمان بمشروع قانون تعديلي لقانون المالية لسنة 2013 وجعل البرلمان مشاركا حقيقيا في وضع اﻻختيارات المتعلقة بتوازن الميزانية، وفقا لمقتضيات دستور 2011 ، وإحاطة الرأي العام الوطني علما بطريقة غير تقليدية بما ينتظر البﻻد والشعب المغربي .

وحين تلجأ الحكومة إلى حذف 25 في المائة من ميزانية اﻻستثمار ، فإنها تعي جيدا أنها تقدم على تقليص إمكانيات النمو في السنة الجارية عبر تقليص مساهمة اﻹدارة في الطلب الداخلي ، في وقت تشير فيه مختلف المعطيات المتعلقة بمكونات هذا الطلب إلى أنها تتجه نحو اﻻنكماش ، وعلى رأسها طلب اﻷسر الذي يعتبر المحرك الرئيسي للنمو بالمغرب ، مع العلم أن المداخيل الفلا حية ﻻتكون لها اﻵثار المتوقعة على الطلب الداخلي إﻻ بشكل محدود كما تبين من مواسم فلاحية جيدة في العشر سنوات اﻷخيرة ، ناهيك عن عدم وجود ارتباط بينها وبين الميزانية من حيث المداخيل بسبب استمرار إعفاء كبار الفلاحين من الضريبة مند 1984 في مقابل تزايد النفقات المخصصة لدعم فلاحتهم المربحة ، بما فيها نفقات جمع وتخزين محاصيل الحبوب، التي يستفيد منها متصيدو الريع بالدرجة اﻷولى على حساب صغار الفلاحين .

والحجة التي ساقها وزير اﻻتصال التي تفيد بأن 25 في المائة  من النفقات المخصصة للاستثمار في الميزانية ﻻتنفد صحيحة ، بل إنها تتجاوز 35 في المائة على العموم وأكثر من ذلك في كثير من الحاﻻت، ويترتب عنها ترحيل اﻻعتمادات من سنة إلى أخرى بشكل متضخم في السنوات اﻷخيرة ، ثم اللجوء إلى إلغائها بعد ذلك ، لكنها حجة ضد الحكومة التي تزعم أنها تصلح إذ يفيد تصريح الوزير أنها امتداد لما كان فيما يتعلق ببرمجة النفقات وأنها مستمرة في اعتماد ميزانيات منفوخ فيها بمزاجية  في حاﻻت وبرغبة خفية في  تمريرصفقات تفتح الباب واسعا للفساد  في حاﻻت أخرى.

إن حذف 15 مليار من نفقات اﻻستثمار برسم سنة 2013 ، وجباية المداخيل المترتبة عن العفو الضريبي المتوقع أن تدر بضعة ملايير بإضافة عمليات المراقبة الضريبية المصاحبة ، فضلا عن بعض المساعدات الخارجية وبيع جزء من ممتلكات الدولة ، عمليات كفيلة بتخفيض عجز الميزانية إلى 4.8 في المائة المتوقعة في الفرضيات التي صاحبت إعداد قانون المالية لسنة 2013 ،أو ربما أقل ، لكن ثمن هدا التخفيض لن يختلف عن الثمن الذي أداه اﻻقتصاد الوطني بعد منتصف ستينات القرن الماضي وفي ثمانينات نفس القرن حيث بقي النمو ضعيفا ومرتبطا بأحوال الطقس بدرجة أساسية و حصل تدهور في البنيات التحتية وتراجعت التنمية البشرية وتردت الخدمات اﻷساسية وتوسعت البطالة .

مأزق صندوق المقاصة

هل كان الحل في إلغاء دعم اﻷسعار وإنهاء وجود صندوق المقاصة ؟  يتبين أن هدا الخيار مستحيل تطبيقه اليوم  بسبب حساسية المواد المدعمة اجتماعيا واقتصاديا على حد سواء ، وباﻷخص البنزين وغاز البوطان اللذان يلتهمان الجزء اﻷكبر من مخصصات الدعم التي بلغت 53 مليار درهم في السنة الماضية، عدا دعم الكهرباء ، وتنفيذ مشروع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي باﻻنتقال من الدعم المعمم إلى اﻻستهداف والتحويلات النقدية المباشرة غير ممكن لحد اﻵن بالنظر إلى صعوبة تحديد الساكنة التي يمكن استهدافها ما لم يجر إحصاء جديد للسكان والسكنى ، يستوعب لدى إجرائه هدف تحديد الساكنة التي توجد في فقر أو هشاشة  والتي يمكن استهدافها، وما لم يتم إجراء دراسات علمية حول مختلف اﻻنعكاسات اﻻقتصادية واﻻجتماعية لمراجعة دعم اﻷسعار لتجنب مختلف اﻷخطار . وما وقع بعد اﻹشاعة التي انتشرت في فاس ناقوس إنذار.

وأمام هذه اﻻستحالة البينة ، كان أمام الحكومة أن تحارب ” التماسيح والعفاريت” اﻷخطر من سياسيين فاقدين للبوصلة ، ويتعلق اﻷمر بمن ﻻيفلتون فرصة للقبض على الريع والاغتناء على حساب المجتمع والدولة ، حيث كان مطلوبا منها العمل على استرجاع الدعم من غير مستحقيه استمرارا لما كانت حكومة عبد الرحمان اليوسفي قد بدأته ، وتم التخلي عليه في ظل حكومتي جطو وعباس الفاسي ، وإعمال اﻵلية الضريبية ﻻسترجاع الدعم من  أصحاب السيارات الفاخرة ووسائل نقل العموم  وغيرهم من غير المستحقين ( الضريبة على السيارات ، الضريبة على القيمة المضافة بإعمال معدل 30 في المائة، إقرار ضريبة على اﻻستهلاك الداخلي في حاﻻت..) كما كان عليها العمل على مراجعة الدعم للفلاحة الكبرى التي تستفيد من اﻹعفاء الضريبي في نفس الوقت  وتقليص اﻻمتيازات الضريبية الممنوحة مجانا لعدد من القطاعات ، وعلى رأسها قطاع البناء  والعقار ، وتحصيل المداخيل الضريبية والجمركية الضخمة الباقي استخلاصها وإنهاء بعض الصناديق السوداء وغير السوداء والعمل على ضمان وحدة وشموولية الميزانية فعليا و جعل برمجتها وتنفيذها يتسمان بالشفافية واﻻبتعاد عن خدمة مصالح نافدة تفرض على المغرب والمغاربة البقاء رهينة لها، فالعجز الذي تتحدث عنه الحكومة اليوم يطرح أكثر من سؤال وإشكال ، إذ في ظل تشتيت شمل المداخيل العادية الميزانية واﻻستمرار في تغليب كفة محاسبة ميزانية قائمة على استهلاك المخصصات ، بالرغم من اعتماد المحاسبة العامة في السنوات اﻷخيرة وأرضية التدبير المندمج للنفقات ، تبقى الشفافية ناقصة إلى منعدمة في صرف المال العام.

القرار الخطأ في الزمن الخطأ

لقد اتخذت الحكومة القرار الخطأ في ظرفية غير مناسبة ، وسينضاف هذا القرار إلى السياسة النقدية المتزمتة التي تجعل الفارق النقدي السلبي يستمر وإلى مشكلة السيولة البنكية التي تقلص إمكانية تمويل اﻻقتصاد ، أخدا بعين اﻻعتبار حاجيات تمويل الخزينة المتوقع أن يترتب عنها اقتراض أكثر من 80 مليار درهم من السوق الداخلية ، ومحدودية اﻻستثمار الخارجي المباشر… وتراجع باقي التحويلات الخارجية . وإذا ما استمرت الحكومة في التفاعل مع الضغط الخارجي على النحو الذي نلاحظه ، فإنها قد تلجأ الحكومة بعد ﻷي إلى تخفيض أكبر للنفقات العمومية  ، ولن يحتاج صندوق النقد الدولي والحالة هذه إلى التدخل بشكل سافر والتعرض للاحتجاج ، ﻷن الحكومة تنفذ ما يمليه عليها وتقوم بالمتعين  لجر البلاد إلى متاهة اقتصادية خطيرة  ستكون نتائجها كارثية على وضعية الشغل و مداخيل السكان الذين يعانون من الفقر والهشاشة.

اليوم أيضا يتأكد أن إسلاميي العدالة والتنمية ﻻيمتلكون الرؤية والبرنامج والكفاءة التدبيرية لتحمل المسؤولية ومواجهة ظرفية بالغة الصعوبة داخليا ودوليا  وأن خطب بنكيران يمكن أن تعجب الجمهور لبعض الوقت لكنها لن تحل أي مشكلة ﻷن حلول المشاكل في اﻹجراءات العملية والشجاعة فعلا وليس قوﻻ. وكما يقول المثل الشعبي ” الهدرة ماشرات خضرة”.

 

 

 

 

م.ن

عن أحمد العرفاوي

أحمد العرفاوي صحفي مغربي متخصص في المقالات السياسية، وأكتب كذلك في الرياضة وباقي المجالات.

شاهد أيضاً

المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية ينظم دورة تكوينية حول الملكية الصناعية والتجارية لفائدة المراكز الجهوية للاستثمار

اخباركم  : هيئة التحرير نظم المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، يومي 18 و19 يناير 2023 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *