أكيد أن اي إصلاح ينبغي أن ينطلق من الواقع وعلاقته بالمستقبل، لذلك فان التفكير في اصلاح المهن القانونية ومنها مهنة المحاماة في اطار الحوار الوطني من اجل اصلاح منظومة العدالة ينبغي ان يستحضر الاشكاليات الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على قيام المحاماة بدورها ووظيفتها الاجتماعية والمتمثلة في حماية الحقوق والحريات باعتبارها الطريق المستنير لولوج المواطن للعدالة.
لذلك فان الالتحاق أو الإلحاق بالمهنة ينبغي ان يدفعنا إلى استحضار علاقة مهنة المحاماة بكليات الحقوق باعتبار المهنة في المغرب تعتبر إحدى الحلول التي تستعملها الدولة والسلطة العامة لمحاربة بطالة حاملي الشواهد العليا في الحقوق. وفي هذا الاطار فان حوالي 25% من خرجي الدراسات القانونية غالبا ما يتم إدماجهم بمهنة المحاماة سنويا على مدار العشرية الأخيرة وكمثال على دلك تم توزيع 2419 شهادة اهلية لمزاولة مهنة المحاماة سنة 2015 مقابل حولي124 موثق وحولي222 قاض ,لتكون بذلك المهنة اي مهنة المحاماة إحدى المخارج التي تستعملها السلطة العامة للتقليص من أزمة بطالة حاملي الشواهد العليا .
ان أي إصلاح مفكر فيه ينبغي ان يؤخذ بعين الاعتبار هذه المعضلة وتاثيرها على مهنة الدفاع ,والدولة ملزمة بتقديم المساعدة للمحاماة ما دامت هذه الأخيرة حالت بينها وبين الإفلاس الاجتماعي في المجال الحقوقي والقانوني.
ان الدولة تساعد المقاولات ورجال الأعمال والمضاربين العقاريين وكبار الملاكين العقاريين الفلاحين من خلال اعتماد سياسة الإعفاءات الضريبية أو التقليص منها ومن خلال سياسة منح الأراضي والممتلكات العامة للدولة باثمنة رمزية أو تمكين المؤسسات العقارية من سلوك مسطرة نزع الملكية وتجزيء الأراضي وهي سياسات وان كانت في الظاهر تبرر بتشجيع الاستثمار فإنها في الباطن تحمي مصالح نخبة الدولة والمتحكمين في جهازها التشريعي.
ان تقوية مهنة المحاماة ينطلق بالدرجة الأولى من وضع الأرضية لضمان كرامة حاملي الجبة السوداء والذي يقيهم من اللجوء الى سلوكيات تمس العدالة في الصميم. وهذا لن يتم الا بإعادة النظر في علاقة الدولة بالمحاماة من جهة وتنظيم جهاز العدالة بشكل يحد من سلوكيات تنافي النصوص القانونية لكل مكونات جهاز العدالة.
أكيد ان كل الأدبيات الحقوقية وفي كل بقاع العالم تنص على ضرورة منح حصانة الدفاع للمحامي تقيه وتضمن له ممارسة مهنة الدفاع عن الحقوق في استقلال عن أجهزة الدولة وبدون تدخل منها والأكيد ان الإصلاح المنشود ينبغي ان ينصب في هذا الاتجاه من خلال إحداث جهاز وطني أسوة بالتشريعات المقارنة يكون له دور تمثيلي بحيث يمثل بصفة رسمية مهنة المحاماة امام السلطات العمومية وعلى المستوى الوطني والدولي مع احترام استقلال الهيئات ويكون له كذلك دور آخر كسلطة تأديبية بحيث تستأنف أمامه القرارات التأديبية الصادرة عن المجالس التأديبية للهيئات حماية للمهنة.
ان التطور الذي عرفه التعليم ببلادنا والمشاكل المرتبطة به تقتضي ولضمان تكوين معمق ومتخصص للباحثين عن ولوج مهنة الدفاع ان يتم اخراج المؤسسة الوطنية للمحاماة متخصصة يتم ولوجها بعد الحصول على شهادة الماجستير في الحقوق تكون مؤطرة من طرف هيئات المحامين وإدارة كليات الحقوق لضمان تكوين متخصص للطلبة الراغبين في ولوج مهنة المحاماة وضمان المساواة بين أبناء المواطنين لان الممارسة الحالية تذهب في اتجاه تكريس نخبوية المهنة و قواعد الإرث بين مكونات جهاز العدالة ,ان التكوين على النمط التقليدي المعتمد على كان ياماكان لايمكن ان ينفع في شيئ المئات من الزملاء المتمرنين .
ان ضمان كرامة المحامي وضمان الحق في الولوج المستنير للمتقاضي لجهاز العدالة يتطلب تعديل القانون وضمان الحق في الاستعانة بالمحامي في كل المساطر والقضايا المعروضة على المحاكم لان دلك سيحد من الفساد القائم على الولوج الغير المستنير للعدالة وتعرض المتقاضين للنصب من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالعدالة وسوف يؤدي كذلك الى الحد من بعض التصرفات التي تتنافى مع توزيع الاختصاص بين مكونات العدالة بحيث لا يجوز في العدالة ان يكون الشخص خصما وحكما أو يقوم بالتبليغ والخبرة والدفاع في ان واحد وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة التي تقوم على توزيع المهام بين مكوناتها لضمان عدالة حقيقية بعيدة عن أي مؤثرات.
ان ذلك سوف يؤدي لا محالة الى خلق المساواة بين المحامين أنفسهم وسوف يحد من مجموعة من السلوكيات التي تخدم من يستعمل المال بطرق غير مشروعة لضمان السرعة في ولوج العدالة والاستفادة من إجراءاتها على حساب البعض الذي لا زال يحاول ان يعيد للدولة والمجتمع بعض المبادئ السامية كالمساواة والحد من استعمال وسائل المنافسة الغير المشروعة والتي أدت إلى فوارق اجتماعية واقتصادية بين مرتدي البذلة السوداء.
ان الدور الاجتماعي لمهنة المحاماة ومساهمتها الكبيرة في استقرار الدولة يتطلب إعادة النظر في الالتزامات المالية المفروضة عليها من طرف السلطة العامة لان المبالغة في ذلك وفرض ضرائب على مهنة تقوم بوظيفة حقوقية واجتماعية يعتبر تدخل غير مباشر لكي لا تقوم بدورها الحقيقي المتمثل في العمل على تكريس القانون كأداة وهدف للدولة الحديثة.
ونظرا للتحولات التي عرفتها المهنة في السنوات الأخيرة من خلال إدماج الأطر العليا المنحدرة من الطبقات الشعبية الحاصلة على الشواهد الجامعية العليا في المجال القانوني بمهنة المحاماة فان تراجع الطابع النخبوي البورجوازي الذي كان سائدا في المهنة يقتضي من الدولة تحمل مسؤوليتها لضمان الحق في ولوج القضاء للمواطنين الذين لا يتوفرون على الإمكانيات المادية من خلال تفعيل مسطرة المساعدة القضائية والمساعدة القانونية وتحمل الدولة لتكاليفها أسوة بالقطاع العقاري حيث تؤدي الدولة للمضاربين نصف التكلفة لضمان وتشجيع السكن الاجتماعي.
وان كانت مختلف الدول تسعى إلى حماية ثقافتها من مؤثرات غير مقبولة للعولمة فان المحاماة بالمغرب تعتبر من المهن التي تتعرض يوميا لمنافسة غير مشروعة من طرف الأجانب من خلال التحايل على القانون وتأسيس شركات لوكلاء الإعمال والذين يستغلون الطابع الهجين للمجتمع المغربي وتما هي بعض المغاربة مع الاجنبي وخدمتهم بوعي أو غير وعي لمصالح الفرنكوفونية العالمية التي تحاول ان تحافظ على تواجدها بالدول المستعمرة سابقا وهذا يقتضي توضيح القواعد القانونية في هذا المجال والحد من الاحتكارية الغير المشروعة ومزاولة المهنة من طرف الأجانب والمغاربة على حد سواء بالمغرب بطرق غير مشروعة.
*ان اي اصلاح للعدالة ينبغي ان *ينطلق من الواقع من اجل ايجاد الحلول المعقولة لاكراهات المجتمع والدولة على حد سواء والأكيد انه لايمكن الحديث عن دولة الحق والقانون في غياب مهنة الدفاع عن الحق والقانون*
د محمد امغار