نظمت جمعية إتحاد العمل النسائي مساء يوم الجمعة إبتداءا من الساعة الثالثة زوالا بأحد الفنادق الكبرى بمدينة الدارالبيضاء، مناظرة وطنية حول مدونة الأسرة في ضوء التحولات الراهنة وقصور النص وضرورة الملائمة وإختلالات التطبيق وإشكالية الإجتهاد القضائي، ثم العلاقات المالية لمكونات الأسرة تحت عنوان : ” مدونة الأسرة الحصيلة والتطلعات بعد عشر سنوات على صدورها “، بحضور ثلة من ممثلي الجمعيات النسائية وقضاة ومحامين وأساتذة وصحفيين .
في البداية إنطلقت أشغال هذه الندوة بكلمة ترحيبية للأستاذة زهرة الوردي المسيرة لهذه المناظرة ورئيسة إتحاد العمل النسائي، رحبت من خلالها بكل الحاضرين وعبرت عن قلقها إتجاه بعض الإشكالات والصعوبات والتأثيرات الإيجابية والسلبية التي أحدثتها تطبيق صدور هذه المدونة، وأضافت بأن تشكيل صدورها شكل ثورة هادئة في المغرب، حيث اعتبرت نمودجا ومثالا يقتدى به في الدول العربية والإسلامية، كما أشارت إلى أن هذه المدونة جاءت إستجابة لتطلعات الحركة النسائية وإستجابة للواقع المرير التي تعيشه النساء وتعيشه الأسرة والأطفال والرجال، ثم أكدت أيضاً بأنها إستجابت إلى العديد من الإنتظارات، لكن حكمتها الإزدواجية في المنطق الذي صاغها وشرعها في حين أن الإزدواجية بين الطموح نحو الحداثية والتغيير ونحو ملائمة هذا القانون الأساسي مع إلتزامات المغرب بالمواثيق الدولية التي صادق عليها وكذلك نحو ملائمتها مع كل هذه التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي عامة وتعرفها وضعية المرأة خاصة، ثم زادت في قولها أن هناك منطق آخر محافظ يأبى إلا أن يرى المرأة دائماً في وضعية خصوم وفي وضعية دونية، وبالتالي شكل هذا بعد تنفيدها وإنتقالها إلى التفعيل والتطبيق معيقات حقيقية .
بعدها قدمت الأستاذة المحامية عائشة أخماس قراءة حول الصراع الذي واكب هذه المدونة والذي إمتد لمدة عشر سنوات على صدورها ، حيث أوضحت أن صدورها سنة 2004 شكل تطورا نوعيا في صيرورة تحديث ودمقرطة المجتمع المغربي وأعاد الإعتبار لكل مكونات الأسرة ولقيم المساواة والعدل، كما أشارت إلى أن هذه المدونة مند إخراجها إلى حيز الوجود أصبحت بعض بنودها التي عرفت تغييرات جزئية متناقضة مع روح وفلسفة المدونة ومع السياق الذي جاءت فيه، الأمر الذي يقتضي مراجعة شاملة لهذا القانون تستحضر المكتسبات التي راكمها المغرب وأهمها دستور 2011، خاصة الفصل 19 منه الذي ينص على المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق وعلى احداث هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز لضمان تمتع النساء بهذه الحقوق، كما ينص أيضاً على حظر التمييز وإلزام السلطات العمومية بمحاربته وبملائمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، ومن جهة أخرى أضافت أخماس أن المغرب يوجد ضمن البلدان التي لم تشهد أي تحسن في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ، إذ يحتل المرتبة 129 حسب كشف المنتدى الإقتصادي العالمي سنة 2013 ويعتمد هذا الترتيب على المساواة في المشاركة السياسية والإقتصادية والتمتع بالعديد من الحقوق مثل التعليم والصحة والشغل هذا بالإضافة إلى تقرير التنمية البشرية لعام 2013 الذي أعلنت عنه مديرية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المغرب في المرتبة 130 في سلم التنمية البشرية وذلك راجع في جزء كبير منه إلى الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المتردية للنساء وكذا لإرتفاع نسب الفقر بينهن ومعاناتهن من العنف وخاصة العنف الزوجي والأسري،وختمت قولها بأن الإنجاز الوحيد الإيجابي الذي إستفادت منه المرأة داخل هذه المدونة هو تمكينها من الحصول على التطليق بمجرد تقديمها للدعوة دون الحاجة لإثبات ما لم تستطيع النساء إثباثه خلال خمسين سنة، بعدما كان حكرا على الرجل فقط في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة .
بعدئذ أكدت الأستاذة مليكة الحافظي قاضية بمحكمة الإستئناف بالدارالبيضاء أن زواج القاصر يجب الإقتراح فيه التنصيص على إجبارية الخبرة والبحث الإجتماعي ، ثم توحيد العمل القضائي حتى يصبح زواج القاصر في فعل إستثنائي بجميع المقاييس في أفق القضائي عليه وإتخاد إجراءات جزرية في حق الولي الذي يثبت ضده أنه زوج من يتولى أمرها قبل السن القانوني دون اللجوء إلى طلب إذن المحكمة، ثم وضع عقوبة تأديبية لمن تبث أنه منح الإذن لأقل من 18 سنة أو تدخل تشريعيا في وضع حد أدنى في الزواج مابين 16 أو 17 سنة إعتبارا لكل حالة على حدة أو إتخاد الخطوة الشجاعة بإلغاء الإستثناء وهو ما انتبه له العديد من التشريعات العربية، حيث حسمت في الأمر وحددت سن الزواج في 18 سنة، وأضافت أن مجمل الملاحظات تبرز بوضوح الفراغ الهائل في التوعية بمضامين مدونة الأسرة وفلسفتها ومدى تطبيق روح نصوصها وإلصاق النتائج السلبية التي تكشف عنها الإحصائيات كجسم قانوني جاء لينظم العلاقة الأسرية على أساس من العدل والمساواة وأن الواقع المعيش أثبت وجود ثغرات في نصوصه أو صعوبات في تطبيقه أو نقص في في آليات تفعيله، وذلك بإخفائه عدة عوامل أهمها التربية والوازع الديني الجانب الإقتصادية الإجتماعي للمخاطبين بها وعن مدى وعيهم بها، وأفادت ” أن القانون والقضاء مهما صلح وتطور فلن يكون سوى عنصرين يكملان باقي العناصر الأخرى ولن يفلح وجودهما وحدهما مهما تقدمت آلية تفعيلهما في إيجاد العناصر الأخرى خاصة ونحن الآن ندخل مرحلة أخرى تشكل رهان الساعة مسترشدين بالإصلاحات الكبرى لتحقيق التنمية والعدالة الإجتماعية وعلى رأسها الإصلاحات الدستورية الأخيرة بتعليمات صاحب الجلالة الملك محمد السادس التي رسم بها معالم الإصلاح القضائي وتأسيس مفهوم جديد للعدالة إنطلاقا من أن إصلاح الأسرة رهين بإصلاح المنظومة السياسية في ظل دولة الحق والقانون وإصلاح القضاء ودوره الفعال في التطبيق السليم لمقتضياتها ” .
وفي كلمته تطرق المحامي بهيئة الدارالبيضاء الأستاذ محمد الحسني الإدريسي إلى السياق التاريخي لمدونة الأسرة بداية من مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية وكذا مؤتمر بكين الذي شكل دفعة قوية للحركات النسائية عبر العالم، كما أكد على إيجابية المكتسبات التي جاء بها دستور 2011 متجسدة بالأساس في ديباجته الملزمة خلافا لما سبق حيث كانت للإستئناس فقط، إضافة إلى مجموعة من الفصول التي عكست هامش حرية أكبر للنساء وخولت لهن حقوقا أكثر مقارنة مع السابق .
وأشار الحسني إلى بعض البنود المتضمنة في العهود والمواثيق الدولية خاصة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي تضمن عدة مواد تحمل في طياتها دفاعا عن المرأة والزوجة وحمايتها من كل أشكال التمييز في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية .
وختم الحسني عرضه بالتساؤل حول مدى تمثل مدونة الأسرة للأبعاد الحقوقية التي أشار إليها، إذ وضح النقص الكبير والإختلالات العميقة الحادثة في مجموعة من نصوص المدونة ليعرض بعدها حزمة من الحلول والإقتراحات التي من شأنها أن تسد الثغرات القانونية في المدونة وتنأى بها عن التحايلات الناجمة عن عمومية نصوصها .