في الوقت الذي كان الرأي العام منشغلا بالمعركة الدبلوماسية الكبيرة، التي دخلها المغرب ضد التوصية الأمريكية القاضية بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، كانت هناك معركة صغيرة بين رأسي وزارة الخارجية: سعد الدين العثماني رقم واحد في الوزارة، ويوسف العمراني رقم اثنين. ماذا جرى؟
في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية، سعد الدين العثماني، في مكتبه بالرباط، كان يوسف العمراني، الوزير المنتدب في الخارجية، على موعد مع وزير خارجية القوة الكبرى في العالم. ماذا جرى حتى تم الاستغناء عن خدمات العثماني يوم الاثنين 29 أبريل في أحد أهم اللقاءات مع جون كيري، وزير خارجية أمريكا؟
وعن بعد وسائل الاعلام أنها استفسرت عدة مصادر في وزارة الخارجية عن الأمر، ولم تصل إلى جواب، اللهم قول أحد السفراء : «إن الأمر غير عادي تماما. بروتوكوليا، إذا لم يكن هناك من عائق أمام الوزير للقاء نظيره الأمريكي، فلا يعقل أن يبعث المغرب بالرجل الثاني في الخارجية للقاء الرجل الأول في الدبلوماسية الأمريكية».
جون كيري، الوافد الجديد على وزارة الخارجية في واشنطن، لم يبلع هذا الخرق في البروتوكول بسهولة، فقد رفض أن يستقبل الوفد المغربي الذي كان
يرأسه الوزير المنتدب في الخارجية، يوسف العمراني، إلى جانب المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري، ورئيس المخابرات العسكرية ياسين المنصوري. مصادر من واشنطن قالت: «إن الوفد ظل ينتظر عدة أيام قبل أن يسمح له بلقاء جون كيري ومساعدته، ويندي شيرمان، ووكيل الوزارة، بيت
جونز… لأن كيري اعترض على عدم قدوم العثماني وزير الخارجية للقائه، وظل الاجتماع معلقا إلى أن تدخلت أطراف أخرى، ولعبت دور الوسيط لإقناع كيري بلقاء وفد مغربي على رأسه وزير منتدب في الخارجية». ماذا يجري بين الوزير الإسلامي والوزير الاستقلالي؟ الجواب جاء على لسان مصدر مطلع في الخارجية، حيث قال: «إن العثماني غاضب بشدة من العمراني، لأن هذا الأخير قدم نفسه، في أكثر من محفل دولي، على أنه وزير الخارجية الحقيقي، وأنه المعتمد الحقيقي لإدارة دفة القرار الدبلوماسي»، هذا ما يعتقده العثماني على الأقل، والذي تقول مصادر قريبة منه إنه توصل، في أكثر من مرة، بمعلومات تفيد بأن العمراني قدم نفسه بصفته رقم واحد في الوزارة، وأنه يقول للدبلوماسيين إنه على اتصال دائم بأحد المستشارين الأقوياء في القصر…».
الأمور لم تبق في هذه الحدود داخل كواليس وزارة الخارجية المليئة بالحكايات والمناورات والرسائل المشفرة، بل انتقلت إلى أعلى مستوى. مصدر آخر، رفض ذكر اسمه، قال : «إن العثماني غضب من تصرفات العمراني، وإنه أخذ الهاتف واتصل بالمستشار الملكي الذي يدعي العمراني أنه يسنده، وقال له: أريد أن أعرف: هل أنا وزير الخارجية أم لا؟ العمراني له رأي آخر». جاء الجواب مباشرا وحاسما. المستشار الملكي نفى بالمطلق أن يكون خلف هذه القصة، وأكد للعثماني أنه هو وزير الخارجية، وأن العمراني منتدب لديه، وأن الأمر غير قابل للمراجعة.
القصة لم تنته وقد ترخي بظلالها على الأزمة الأكبر بين شباط وبنكيران.