دخلَ شهر أكتوبر الجاري على وقْع اقتطاع الحكومة لنسبة 1 في المائة من الأجر الصافي لموظفي القطاع العامّ؛ وذلك في إطار تفعيل الخطّة التي تنبتها هذه الحكومة من أجل إصلاح نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد. وكان القانون المؤطر لخطة هذا الإصلاح قد أثار، في وقت سابق، معارضة شديدة من لدن النقابات العمالية؛ لكنّ الحكومة أفلحتْ في تمريره في غرفتي البرلمان، وصدر في الجريدة الرسمية يوم 30 غشت الماضي.
وانبرى موظفون إلى انتقاد القرار الحكومي القاضي بالاقتطاع من أجورهم ابتداء من الشهر الموالي لنشر قانون إصلاح التقاعد في الجريدة الرسمية، من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وكتبتْ زهرة، في صفحتها على “الفيسبوك”، متسائلة: ما ذنب موظفة صغيرة مثلي أن يقتطعوا من أجرتي؟! ما ذنبي أنَا لأَدفع ثمن ما نهَبه سارقون ملؤوا جيوبهم وحساباتِهم!!؟”.
ويرفض الموظفون المعارضون لقرار الاقتطاع من أجورهم أنْ يؤدّوا ثمن أخطاءٍ ليسوا مسؤولين عنها، أدّتْ إلى قُرب وصول الصندوق المغربي إلى الإفلاس، كما تقول الحكومة. وفي هذا الإطار، قال محمد ديرا، موظف في القطاع العام وناشط نقابي، في تصريح لهسبريس، إنَّ السؤال الذي كانَ على الحكومة أن تنكبَّ على البحث عن جوابٍ له “هو مَن المسؤول عن إفلاس هذه الصناديق؟”، مُعتبرا أنَّ جوابَ هذا السؤال هو الذي سيحدد الحلول.
وأضاف المتحدّث أنّ حكومة عبد الإله بنكيران، التي دافعتْ عنْ خطتها لإصلاح صندوق تقاعد موظفي القطاع العام، “تُحمّل الموظفين أوزارا لا يَدَ لهم فيها؛ فَعوض أن تبحث عن الأسباب الكامنة وراء إفلاس الصناديق وترتيب الجزاءات بناء على ذلك، تلتجئ إلى الحائط القصير وهو الموظف”، متسائلا: “الموظف لم يسرق ولم يختلس، فلماذا نُحمّله المسؤولية؟”، واصفا الخطة الحكومية بـ”الإصلاح المقلوب”.
الاقتطاع من أجور موظفي القطاع العام، الذي شُرعَ في تنفيذه أول أمس الجمعة، سيتمّ بالتدريج. وسيصل، في المجموع، إلى 4 في المائة من صافي الأجر. وبذلك، ستنتقل نسبة الاقتطاع إلى 14 في المائة، متمَّ سنة 2017. وكانت حكومة إدريس جطو (2002-2007)، التي بادرتْ إلى فتْح ورش إصلاح نظام التقاعد، قدْ رفعت نسبة الاقتطاع من أجور موظفي القطاع العام من 07 إلى 10 في المائة.
في المقابل، تُحمّل حكومة عبد الإله بنكيران مسؤولية عدم التوصّل إلى اتفاقٍ مُرْضٍ إلى جميع الأطراف مع الفرقاء الاجتماعيين إلى المركزيات النقابية الرافضة لخطّة إصلاح التقاعد.
وقال جامع المعتصم، رئيس لجنة الحوار العليا الممثلة للحكومة في جلسات الحوار الاجتماعي، في لقاء بمدينة سلا هذا الأسبوع، إنّ الحوار كان سيصل إلى ما يُفضي إلى تحسين دخْل الموظفين، بالرغم من الاقتطاع من أجورهم؛ لكنّ ذلك لم يتمّ، بسبب رفض النقابات، على حدّ تعبيره.
وتتضمّن الإجراءات، التي قال المعتصم إنّ الحكومة كانتْ مستعدّة لتطبيقها، رفعَ الأجور بنسبة 4 في المائة، لتعويض النسبة التي سيتمّ اقتطاعها كمساهمة لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد، وزيادة التعويضات العائلية بـ100 درهم لجميع الأطفال، بمن في ذلك الطفل الرابع والخامس.. ورفْع منحة الولادة من 150 درهما، حاليا، إلى 1000 درهم، والرفع من الحدّ الأدنى للمعاشات إلى 1500 درهم؛ “لكن النقابات رفضت مقترحات الحكومة بمنطقٍ سياسي واضح، لأنها تساند جهات سياسية أخرى”، يقول المعتصم.
لكنَّ هذا التبرير الذي قدمه رئيسُ اللجنة العليا للحوار الاجتماعي ليسَ مُقنعا بالنسبة إلى محمد ديرا، وردّ متسائلا: “لماذا لم تُفَعِّل الحكومة اقتراحها بالرغم من فشل الحوار الاجتماعي، بما أن التنفيذ كان بيدها، خاصة أن الحكومة هي من اقترحت ذلك. وهذا يعني أنه كان بإمكانها أن تفعّله؟”، وتابع المتحدث: “الحكومة أبَتْ إلا أن تزيد من آلام الموظفين التي تراكمت مع الزيادة في الأسعار وإلغاء صندوق المقاصة وتحرير قطاع المحروقات وغير ذلك”.
الموظفون المعارضون لقرار الاقتطاع من أجورهم ينتقدون، أيضا، “كيْلَ الحكومة بمكياليْن” فيما يتعلّق بإصلاح نظام التقاعد، إذ تساءل عدد منهم عن السبب الذي يجعل الحكومة عاجزة عن الاقتراب من إصلاح نظام تقاعد البرلمانيين والوزراء، “الذين يستفيدون من امتيازاتهم كاملة غير منقوصة مع نهاية الولاية الحكومية، فيما الموظف سيُنهيها على وقع تخفيض أُجْرته التي لا تساوي شيئا أمام راتب وامتيازات النائب والوزير”، كما قال محمد ديرا.
واعتبر المتحدث ذلك “مفارقة غريبة”، مضيفا “بالنسبة إلينا كموظفين نرفض تحميلنا أوزار الآخرين؛ لكنْ سنكون على استعداد لو كانت هذه الاقتطاعات موجهة إلى تنمية البلد وسكان القرى والجبال، بشرْط أن يتنازل رئيس الحكومة والوزراء ونواب البرلمان وكبار الموظفين ومسؤولو المؤسسات العمومية عن نصف رواتبهم، أما تحميل الموظفين ما لا طاقة لهم به فيما ينعم “الكبار” بامتيازاتهم كاملة غير منقوصة فهذا ليس أبداً إصلاحا”.