نظمت جمعية العقول الذهبية للتنمية الإجتماعية صباح يوم الأحد بمقر الخزانة البلدية سيدي البرنوصي بالدارالبيضاء، ندوة حول موضوع الوشم تحت عنوان ” أي معنى لظاهرة الوشم في صفوف الشباب ؟، وذلك من أجل تحسيس المواطن المغربي وتوعيته بهذه الظاهرة الخطيرة التي بدأت تنخر جسمه بغية تجنبها ، بحضور كلا من الدكتور عادل غزالي أستاذ باحث في علم النفس الشغل والتنظيمات بكلية الاداب والعلوم الإنسانية المحمدية، ورئيس جمعية العقول الذهبية إبراهيم حضري وعبد المجيد الجهاد أستاذ علم الإجتماع بجامعة الحسن الثاني ابن امسيك الدارالبيضاء ومحمد إد موسى أستاذ الفلسفة وباحث في علم الإجتماع، فضلا عن أستاذ التنمية الذاتية كريم إيجيجي وطلبة جامعيين وشباب مهتمون بالموضوع .
بداية افتتحت الندوة بكلمة ترحيبة لرئيس جمعية العقول الذهبية للتنمية الإجتماعية إبراهيم حضري رحب من خلالها بالأساتذة الجامعيين والطلبة وجل الحاضرين، يليه مباشرة كلمة منسق الندوة أيوب حداني عرف من خلالها بالبرنامج العام للندوة، حيث تطرق لعدة مواضيع تمت معالجتها من طرف الاساتذة الحاضرين والطلبة المشاركين من بينها : ” مراحل تطور الظاهرة وبدايتها ” للاستاذ عادل غزالي و ” أجساد موشومة داخل مجتمع بخصوصيات متعددة ” للأستاذ عبد المجيد جهاد وتجارب في وشم الجسد ” حالة نموذج ” للاستاذ محمد إد موسى، ثم عرض بحث ودراسة حول ظاهرة الوشم في صفوف الشباب لطلبة علم الإجتماع بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية وغيرها من المواضيع المتعلقة بالموضوع .
وفي تصريح خص به عادل غزالي أستاذ علم النفس بجامعة الحسن الثاني المحمدية بخصوص تنظيم هذه الندوة جريدة ” أخباركم المغربية “، بالنسبة لتنظيم هذه الندوة كانت محاولة كوضع أرضية لفهم سلوك الوشم خاصة أننا نعلم أن هناك تحولات على مستوى القيم وعلى مستوى أيضا التعاطي مع ظاهرة الوشم في المجتمع المغربي، مشيرا أن هناك عدة أسباب ما يرتبط بماهو مؤسساتي إجتماعي تربوي و ثقافي وأيضا سيكولوجي الذي اتارني في هذا الموضوع، مردفا أن جميع الاساتذة حاولوا مقاربة ظاهرة الوشم من منظور سيكولوجي من خلال تسليط الضوء على التمثلات وإدراك الشباب لظاهرة الوشم ومحاولة ربطها بتقديرات ويإدراك أو معاني التي يعطيها الشباب لسلوك الوشم .
وأضاف الدكتور في علم النفس ” إنه من خلال الدراسة تبين لنا بأن هناك معاني جديدة، حيث أن الشباب بدؤوا يتعاملون مع ظاهرة الوشم ليس بالمعطى الثقافي الكلاسيكي القديم الذي كان يعتبر الوشم بأن له دلالة في الإنتماء إلى قبيلة أو شئ من هذا القبيل، بل أضحى لديه دلالات مختلفة جدا مثل التحرر، تقدير الذات، الثقة في النفس وغيرها من الدلالات، موضحا ان كل هذه المعاني تعكس أن هناك نوع من التحول على مستوى القيم والمواقف الإجتماعية إتجاه ظاهرة الوشم .
ومن جانبه صرح عبد المجيد جهاد أستاذ علم الإجتماع بخصوص ظاهرة الوشم وموضوع الندوة من الناحية السوسيولوجبة لنفس الجريدة ” تعتبر ظاهرة الوشم ظاهرة معقدة جدا كما أشرت إليها خلال العرض الذي قدمته اليوم لأنها لا تفترض مقاربة معينة وإنما مقاربات متعددة يمكن أن ننزلها كإشكالية، بمعنى تحتمل أكثر من حل ورأي، هذا من جهة أما بخصوص موضوع الندوة الشئ المهم الذي أتارني فيها هو تعدد المقاربات، حيث حضرت المقاربة السيكولوجية والسوسيولوجية والمقاربة الفلسفية، فضلا عن مقاربات أخرى غدت النقاش داخل القاعة خاصة موقف الشرع والدين من هذه المسألة، مضيفا أنها ظاهرة متغيرة غير تابثة خضعت لمجموعة من التحولات، حيث نجد مثلا هذه الظاهرة في مغرب ما قبل الإستعمار، ليس كما هو الشأن في مغرب القرن الواحد والعشرين، موضحا أن ظاهرة الوشم في مغرب الإستعمار كانت تحضر باعتبارها ميسم أو مؤشر على الإنتماء إلى هوية معينة وكانت مرتبطة بالجماعة أصلا، لأن هذه الأخيرة هي التي تفرض على مكوناتها والعناصر التابعة لها بأن تتبنى وشما معينا، بمعنى أن الإختيار لا يمكن أن يكون اختيارا فرديا وإنما اختيارا جماعيا
وأضاف الأستاذ الجامعي أنه اليوم بفعل العولمة وهيمنة القيم الفردانية نجد أن ظاهرة الوشم أصبحت اختيارا فرديا، بمعنى أنه لا يمت للجماعة ولايعبر بالضرورة عن الإنتماء لجماعة ثقافية، أما بالنسبة لظاهرة الوشم من خلال المقاربة السوسيولوجية فإننا في علم الإجتماع نعتبرها ظاهرة كباقي الظواهر الأخرى، لأنها تتوفر فيها مجموعة من الخصائص من ضمنها نجد خاصية أساسية هي “خاصية العمومية ” بمعنى أن هذه الظاهرة نجد أنها عامة ولاترتبط بفئة عمرية معينة أو بفئة أو طبقة إجتماعية داخل المجتمع، مشيرا أنها عندما كانت هذه الظاهرة في السابق مرتبطة بالطبقة الشعبية أو المهمشة، أصبحت اليوم تعبيرا او كتابة عن الجسد، أما الخاصية الثانية ألا وهي خاصية الإنتشار فنجدها في العالم ككل وليست مرتبطة بمجال ترابي محدد، بل والغريب في الأمر أنه اليوم يمكننا التحدث عن ما يسمى بعولمة الرموز، موضحا أن جميع الرموز الثقافية أصبحت اليوم معلم في ظل الضغط وتأثير العولمة وهذان يعطي لخصوصيات ظاهرة الوشم حاليا هو أنها تقريبا لم تعد تنطلق من الخصوصيات الثقافية لمجتمع معين، مردفا أنها أصبحت هناك اليوم رموز عالمية يتبناها معظم الشباب .
وختم قوله الجهاد أن ظاهرة الوشم لا يمكن حلها إلا من خلال عملية تدبير الإختلاف بين مختلف مكونات المجتمع، كما لا يمكن أن نصدر بصددها حكما قيميا وأخلاقيا، وإنما ينبغي أن نتعامل معها كظاهرة أخرى توجد، والدليل على ذلك هو أنها منذ أنها وجدت في مراحل المجتمعات الوثنية، مازالت اليوم حاضرة على الرغم من أن الديانات السماوية كلها تحرم اللجوء إلى هذه الممارسة ولكن تظل حاضرة بقوة .
ومن الناحية الفلسفية وفي موضوع تجارب في وشم الجسد ” حالة نموذج ” صرح محمد إد موسى أستاذ الفلسفة وباحث في علم الإجتماع لجريدة ” أخباركم المغربية “، إن الغاية من المقاربة الفلسفية في موضوع الوشم هو تحديد الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، فالبتالي كان الاساسي هو تحديد العوامل والدوافع التي تدفع الشباب إلى سلك مثل هذه الممارسة متسائلا عن ماهية تمثلات هؤلاء الشباب حول هذه الممارسة التي صارت ترخي ظلالها داخل المجتمع المغربي، موضحا أن هذا يؤكد على وجوب بحث معمقا في هذه الظاهرة يستدعي من الجميع إستعمال الأدوات العلمية والتقنية الممكنة من أجل تحديد الأسباب والدوافع وراء هذه الظاهرة .
وبخصوص تجربته في وشم الجسد أكد أستاذ الفلسفة ” شخصيا عندما نتحدث عن الوشم، فإننا نتحدث على ممارسة ثقافة قديمة خلقت سجالا بين معطى الثيولوجي الديني والمعطى الثقافي الشعبي الذي يمارس به هذا الطقس ” الوشم “، مضيفا أن للوشم طقس معين فكل الشباب أو حتى حامل الوشم يمر من طقوس معينة، بحيث تتيح له إمكانية حمله لذلك الوشم، معللا أن تجربته جاءت وليدة انفتاح ثقافي حضاري معين على ثقافة معينة، معتقدا في بادئ الأمر أن الوشم هو مرتبط بثقافة غربية، إلا أنه بعد البحث في هذه المسألة وجدنا أن لديه جدورا متعمقة وعميقة جدا في الثقافة العربية الإسلامية، كما أن له جدورا أيضا في التاريخ الإنساني عموما “، أما فيما يتعلق بالحديث النبوي الشريف الذي يقول ” لعن الله النامصة والمتنمصة والواصلة والواشمة والمستوشمة والمتفلجات للحسن المتغيرات لخلق الله ” فقد أكد أستاذ الفلسفة أنه ” يصعب جدا الحسم في هذه المسألة لأن حتى التصور الديني الإسلامي لهذه الظاهرة هو أنه إلى حدود الساعة فيه جدلا ولا يمكن الحسم بالبت أو المطلق حول قطعية تحريم الوشم، مردفا ان الحديث ليس نصا دينيا يمكن ان نعتبره أصلا، بل هو فرع على اعتبار أن الأحاديث يجب أن نتحراها ونسبر أغوارها، وبالتالي فالحديث ليس هناك فيه لفظة تحريم بكثرة ما هناك لفظ اللعنة، بل الأساسي من هذا هو أنه لا زال العديد من الفقهاء داخل التوجه الديني لم يحسموا في هذه الأمر بشكل كبير، متسائلا أنه إذا كان هناك المذهب الشافعي أو الحنفي والحنبلي قد ينظرون إلى المسألة بتزمت وبنوع من العصبية فالمذهب المالكي فهو يتعامل بمرونة مع مثل هذه الظواهر ” .
أما فيما يتعلق بتنظيم هذه الندوة صرح ابراهيم حضري رئيس جمعية العقول الذهبية للتنمية الإجتماعية لجريدة ” أخباركم المغربية ” ارتأينا في الجمعية أن نختار هذا الموضوع من بين عدة مواضيع كانت مطروحة كالمخدرات وغيرها، مشيرا أنه تم إختيار ظاهرة الوشم اليوم لأنها أصبحت ظاهرة جديدة قديمة متفشية داخل المجتمع المغربي، خصوصا مع إقتراب حلول الصيف أصبح ثلة من الشباب يتعاطون إليها في البحر، بداية من ” التاتواج ” نظرا لثمنه المنخفض خمسة دراهم إلى حين الوصول إلى الوشم الحقيقي الذي سيسبب لهم أمراض جلدية سرطانية والندم في المستقبل .
جدير بالذكر أن جمعية العقول الذهبية للتنمية الإجتماعية تأسست يوم 13 نونبر 2014 و هي جمعية مدنية مغربية مستقلة تؤمن بالحرية كركيزة كبرى لتحقيق التنمية الشاملة، وتستمد مرجعيتها من الثوابت و القيم الوطنية والمقدسات الدينية و المواثيق الدولية وتشتغل أساسا على الطفولة والشباب كمكون أساسي لوطننا المغرب، كما تسعى أيضا بكل الوسائل المشروعة إلى تحقيق أهدافها المتجلية في تنمية القدرات الفكرية والثقافية للشباب, تنظيم الندوات والمحاضرات والملتقيات التواصلية، العمل على أنشطة لفائدة أطفال ذوي الإحتياجات الخاصة والقيام بزيارات لدور العجزة ودور الأيتام، ثم العمل على حملات تحسيسية توعوية للمحافظة على البيئة .
يوسف نجيب