اخباركم : ذ. عبد المجيد صراط
هجرها الشباب ولا يستمعون إليها إلا لماما
في حديثهم عن الأغنية المغربية تساءل باحثون في الثرات المغربي عن سر تواري الأغنية المغربية عن الأضواء ولم تعد تسرقها، كما كانت عليه في السابق، حيث الساحة الفنية الوطنية كانت تعج بالعديد من الأصوات الغنائية الصداحة والطروبة، إلى درجة كان يصعب التمييز بينها، فتكاد تكون جميع الأغنيات متكاملة كلمة ولحنا وأداء؟
وتساءلوا في حديثهم لـ”أخباركم” لماذا هجر الشباب الأغنية المغربية، ولا يستمعون إليها إلا لماما؟ ألأنها لا تغنى بلهجة مغربية غير مفهومة ولا تساعد على التطريب، أم أن عصب الإشكال يكمن في غياب حس وطني وشعور بالقيمة المعنوية للمنتوج الوطني والمحلي الذي يستمد قوته من ثراتنا وأهازيجنا وثقافتنا المعاشة؟
تساؤلات وأخرى تحيلنا على أن نحاول من خلال هذه الورقة الإجابة عنها، من وجهة نظر ثلة من الشباب، بغية الوقوف على بعض النواقص والاختلالات التي ساهمت في ترسيخ وتكريس عزوف الشباب عن أغنيتهم المحلية وتعويضها بأخرى بعيدة عن ثقافتنا، ولا تستند إلى أي مرجعيات فنية وعلمية مضبوطة، سوى كونها تعتمد على أساليب الإغراء والانتشار الواسع إلى السيطرة على المستمع حد التخمة.
وبهذا الخصوص أكد لنا سعيد، مجاز معطل، على أن أزمة الأغنية المغربية مركبة، ويساهم في تجذير غيابها الإعلام الوطني، ويفسر سعيد ذلك بكون وسائل الإعلام السمعية البصرية الوطنية قليلا ما تفتح ساعات بثها للأغنية المغربية، فكليبات الأغاني الخليجية أو الشرقية أو الشبابية، تحتل مساحة أكبر، مما يجعل الشباب من سننا، لا يجدون أمامهم سوى مثل هذه الأغاني كنماذج يتعودون على سماعها.
هذا ما ذهب إليه أحمد، إعلامي، مؤكدا أن أزمة الأغنية المغربية، ترتبط أساسا بالدعم والتمويل، ففي غياب ذلك، لا يستطيع الفنان أن ينتج أو يغامر في إصدار ألبوم، بل يحتاج أيضا إلى استراتيجية مالية من أجل الانتشار والتوزيع، وهذا ما يجعل الفنانين المغاربة بسبب ضعف مواردهم وغياب معين أن يلزموا الصمت والسكون.
من جهتها ترى سمية، ناشطة حقوقية في تصريحها لـ”أخباركم” أن هذه الوضعية المزرية تتحمل مسؤوليتها الجهات الوصية على القطاع الفني ببلادنا، حيث لا تعمد هذه الأخيرة إلى تخصيص ميزانيات للتشجيع والمساندة في إغناء الساحة الوطنية بإبداعات غنائية خصوصا المصورة، باعتبار هذه الألوان الجديدة أصبحت هي الطاغية في مختلف الفضائيات.
وأمام هذا العوز واللامبالاة ستبقى الأغنية المغربية خارج اهتمام الشباب، الذي لن يهجر أغنيته المحلية، إذا كانت جيدة ومؤثرة وذات مفعول.
وبخصوص ما يقال بكون اللهجة المغربية غير مفهومة، الشيء الذي يراه البعض مثبطا لانتشارها، أكدت سعاد، أستاذة، على أن هذا الطرح هو عنوان العاجزين عن ركوب التحدي، وأضافت في تصريحها لـ”أخباركم” أن هناك لهجات أصعب بكثير من لهجتنا المحلية، عرفت انتشارا واسعا وذكرت على سبيل المثال اللهجة التونسية والخليجية، مبرزة أن هذه الذريعة مردودة على أصحابها، فاللهجة المغربية مفهومة، وتحتاج فقط إلى إرادة سليمة من أجل إشعاعها، وجعلها تحظى بالمكانة التي تستحقها.
وفي السياق ذاته يقول نبيل، طالب جامعي في سلك الدكتوراه، باحث في التراث المغربي، إن الشباب ليست له أي عقدة من أغنيته المحلية، وغيابها على الساحة الإعلامية، هو ما جعلها غير مسموعة بالشكل الذي يجب، وأردف قائلا إنه عندما نستمع إلى رواد الأغنية المغربية من أمثال أحمد البيضاوي، المعطي بلقاسم، اسماعيل أحمد، إبراهيم العلمي، محمد فيتح، عبد الوهاب الدكالي، عبد الهادي بلخياط وغيرهم ممن قضوا نحبهم، وآخرون لا يزالون يحملون الريادة نشعر بالحنين إلى جذورنا، ونحس بالانجذاب إلى هويتنا، هذا الشيء الذي تفتقده بعض الأصوات التي دخلت الساحة الفنية عنوة بقوة المال والجمال.
الشيء نفسه أكد عليه كريم، أستاذ جامعي، بقوله إن الأغنية المغربية في حاجة إلى مناظرة وطنية من أجل تشريح علاتها وإبراز مكامن دائها كي يتم الاهتداء إلى الدواء الناجع، وفي غياب ذلك -يقول كريم- من المستحيل أن تخرج أغنيتنا من سباتها العميق، وسنظل دائما نشير بأصابع الاتهام إلى الجيل الجديد بكونه من هجرها، في الوقت الذي تتحمل الجهات الوصية المسؤولية في هذا الجمود وموت القبور الذي توجد عليه أغنيتنا.